موسى وهارون عليهما السلام
الصفحة الرئيسية ] الى الاعلى ]

 

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الأول

مكث يعقوب أو إسرائيل في مصر مذ جاءها ليلتقي بابنه يوسف.. حتى إذا حضرته الوفاة دفنوه حيث ولد في فلسطين.. وفضل أبناء إسرائيل أن يعيشوا في مصر في ظل يوسف.. شدهم إلى الحياة في مصر خيرها الكثير واستواء أرضها واعتدال المناخ.. عاش أبناء إسرائيل في مصر زمنا.. تزوجوا وتكاثروا وزاد عددهم.. ومرت سنوات.. ومات يوسف.

كان يوسف قد حول مصر إلى دين الإسلام أثناء حكمه. كان يوسف عليه السلام، وكل أنبياء الله تعالى على الإسلام، ابتداء من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وينصرف الإسلام هنا إلى معنى توحيد الله بالعبادة والقصد والسؤال. وإسلام الوجه والعمل والنية لله. هذا ما نقصده من كلمة الإسلام إذا أطلقت، ولا نقصد النظام الاجتماعي الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. فقد كان هذا النظام متقدما عن الأنظمة الاجتماعية التي جاء بها الأنبياء، وان بقي جوهر العقيدة واحدا لا يختلف من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

وحين صار يوسف عزيزا لمصر وكبيرا للوزراء فيها تحولت ديانة مصر إلى التوحيد والإسلام، لقد كان يدعو للإسلام في سجنه بقوله:

أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ

ودعا يوم تحقيق رؤياه بقوله:

تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

وحين مات يوسف هجرت مصر نظام التوحيد إلى تعدد الآلهة مرة أخرى. وأغلب الظن أن هذا تم بكيد الطبقة الحاكمة وتدبيرها، فقد كانت هذه الطبقة في ظل نظام التوحيد لا تكاد تتميز بشيء عن الجماهير العريضة.. وكان من مصلحتها إذن أن يعود نظام الأرباب المتفرقون.. ويعود نظام الفرعون الإله.. وهكذا توالت على مصر أسر من الفراعنة الذين زعموا أنهم آلهة أو يمثلون الآلهة أو ينطقون باسمها.

والأصل في الشعب المصري أنه شعب متحضر، يعنيه بناء الحضارة، ويملك وجدانا دينيا عميقا، وربما آمنت طبقات عديدة من الشعب المصري أن الفرعون ليس إلها، غير أن إيمان المصريين الكامن في أعماقهم لم يكن يعني الحاكم، طالما أنه لا يتحول إلى الظهور أو الثورة ويسفر عن وجهه. كان الفرعون لا يريد من قومه غير الطاعة. ليؤمنوا في قرارة أنفسهم بما يحبون من آلهة. الآلهة الوثنية المتعددة في مصر كثيرة. أهم شيء أن يكون مفهوما أن الفرعون يهيمن على جميع أنواع الآلهة ويرمز لها ويتكلم باسمها.. وكان هذا مفهوما في مصر..

وعلى حين تعددت آلهة الشعب المصري.. مع إيمانه بإله مركزي هو الفرعون.. كانت الطبقة الحاكمة تقتصر على عبادة الفرعون وإنفاذ أوامره وتصديق استبداده.. ومطاوعة أعظم نزواته جنونا.. ولسوف نحس ونحن نتصفح معا أوراق موسى عليه الصلاة والسلام، كيف كان الشعب المصري يعيش في عصره. كانت الجماهير مستذلة مستعبدة تطيع الفرعون، وتمضي خانعة تحت ظل وزرائه وقادة جنده وتسمع إلى ادعائه الألوهية دون أن تحرك ساكنا.

حكى الله تعالى في قرآنه الكريم عن فرعون موسى، قال في سورة النازعات:

فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى

وحنى الناس رؤوسهم للكلمة الكافرة وأطاعوا –ربما على كره- مقالة الفرعون. ودفع الشعب ثمن خنوعه لفرعون.. وقد كان ثمنا باهظا لو قيس بالثورة عليه. عادت مصر إلى نظام تعدد الآلهة بعد فترة التوحيد المضيئة القصيرة التي قضاها فيها يوسف.

أما أبناء يعقوب، أو أبناء إسرائيل، فقد انحرفوا عن التوحيد وقلدوا المصريين.. لولا بعض أسر ظلت على التوحيد وإن أخفت ذلك.. وقد جاء وقت على أبناء إسرائيل تزايدوا فيه وتكاثروا واشتغلوا في عديد من الحرف وملئوا أسواق مصر.

مرت أيام.. وحكم مصر ملك جبار كان المصريون يعبدونه.. ورأى هذا الملك بني إسرائيل يتكاثرون ويزيدون ويملكون.. سمعهم يتحدثون عن نبوءة غامضة تقول إن واحدا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه، وربما كانت النبوءة حلما من أحلام اليقظة التي تجيش بها قلوب الأقلية المضطهدة، وربما كانت بشارة في صحفهم. مهما يكن من أمر، فقد بلغت هذه النبوءة أسماع الفرعون وأصدر الفرعون أمره العجيب ألا يلد أحد من بني إسرائيل.. كان معنى هذا الأمر ببساطة أن يقتل كل من يولد من الأولاد الذكور.

وبدأ تطبيق النظام، ثم قال خبراء الاقتصاد لفرعون إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل فتضيع على الفرعون ثروة بشرية تعمل له ويستعبدها ويستحيي نساءها.. والأفضل أن تنظم العملية بالشكل التالي.. يذبحون الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه..
ووجد الفرعون أن هذا الحل اسلم من الناحية الاقتصادية. وحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة. فلما جاء العام الذي يقتل فيه الغلمان ولد موسى. حمل ميلاده خوفا عظيما لأمه.. خافت عليه من القتل.. راحت ترضعه في السر.. ثم جاءت عليها ليلة مباركة أوحى الله إليها فيها..

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

لم يكد وحي الله ينتهي حتى أطاعت أم موسى هذا النداء الرحيم المقدس. أمرت بصنع صندوق صغير لموسى.. أرضعته ووضعته في الصندوق.. وذهبت إلى شاطئ النيل وألقته في المياه.. كان قلب الأم، وهو أرحم القلوب في الدنيا، يمتلئ بالألم وهي ترمي ابنها في النيل، لكنها كانت تعلم أن الله أرحم بموسى منها، إن الله يحبه أكثر منها، والله هو ربه ورب النيل.. لم يكد الصندوق يلمس مياه النيل حتى أصدر الخالق أمره إلى الأمواج أن تكون هادئة حانية وهي تحمل هذا الرضيع الذي سيكون نبيا فيما بعد، ومثلما أصدر الله تعالى أمره للنار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم، كذلك أصدر أمره للنيل أن يحمل موسى بهدوء ورفق حتى يسلمه إلى قصر فرعون.. وحملت مياه النيل هذا الصندوق العزيز إلى قصر فرعون.. وهناك أسلمه الموج للشاطئ وأوصى عليه الشاطئ..

وقالت الرياح للعشب الذي يرقد بجوار الصندوق: لا تتحرك كثيرا فإن موسى نائم.. وأطاع العشب أمر الرياح وظل موسى نائما.. أشرقت الشمس في ذلك الصباح وخرجت زوجة فرعون تتمشى في حديقة القصر كعادتها كل يوم.. لا نعرف ما الذي جعلها تمشي مسافة أطول مما تمشيه عادة كل يوم في الحديقة..

كانت زوجة فرعون تختلف كثيرا عن فرعون.. كان هو كافرا وكانت هي مؤمنة.. كان هو قاسيا وكانت هي رحيمة.. كان جبارا وكانت رقيقة وطيبة.. وأيضا كانت حزينة.. لم تكن تلد.. وكانت تتمنى أن يكون عندها ولد.. توقفت زوجة فرعون عند حديقة من أشجار الفل.. حملت الرائحة المعطرة إليها إحساسا محزنا بالوحدة.. في نفس هذا الوقت.. كان جواريها يملأن الجرار من النهر..

كان الصندوق يرقد عند أقدامهن.. حملن الصندوق كما هو إلى زوجة فرعون.. أمرتهن أن يفتحنه ففتحنه.. رأت موسى داخله فأحست أنها تحبه كابنها، ألقى الله في قلبها محبته فانهمرت دموعها وحملته من الصندوق، راحت تقبله وهي تبكي.. استيقظ موسى وبدأ يبكي هو الآخر.. كان جائعا يحتاج إلى رضعة الصباح فبكى..

جلس فرعون على مائدة الإفطار ينتظر زوجته فلم تحضر.. خرج غاضبا يبحث عنها.. فوجئ بها تحمل موسى وهي تغرقه بالقبلات والدموع.. سأل فرعون من أين جاء هذا الرضيع، فحدثوه أنهم وجدوه في صندوق بجوار الشاطئ.. قال فرعون بغباء: آه.. هذا أحد أطفال بني إسرائيل.. أليس المفروض أن يقتل أطفال هذه السنة؟

صرخت زوجته وهي تضم موسى إلى صدرها أكثر:

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا

دهش فرعون كثيرا وهو يرى زوجته تضم لصدرها هذا الرضيع الذي وجدوه على الشاطئ. دهش أكثر لأن زوجته كانت تبكي من الفرح وهو لم يرها تبكي قبل ذلك من الفرح، وأحس فرعون أن زوجته تتمسك بهذا الطفل كما لو كان ابنها، قال في نفسه لعلها تذكرت أنها لا تنجب أطفالا وتريد هذا الطفل.. أخيرا وافق فرعون على ما تقوله زوجته.. استجاب لرغبتها وسمح لها أن تربي هذا الطفل في قصره.

لم يكد فرعون يستجيب لزوجته حتى شاهد وجهها يضيء من الفرح. لم ير فرعون زوجته فرحة قبل ذلك أبدا.. كان يحضر لها الهدايا والجواهر والعبيد فلا تبتسم ابتسامة واحدة، وظن فرعون أنها لا تعرف معنى الابتسام، وها هو إذا يراها الآن وكل وجهها ابتسامة مضيئة واحدة.. بكى موسى من الجوع فانتبهت زوجة فرعون إلى أنه جائع.. قالت لفرعون: ابني الصغير جائع..

قال فرعون: أحضروا له المراضع.. حضرت مرضعة من القصر وأخذت موسى لترضعه فرفض أن يرضع منها..
- أحضروا مرضعة ثانية!

حضرت مرضعة ثانية وثالثة وعاشرة وموسى يبكي ولا يريد أن يرضع.. وبدأت زوجة فرعون تبكي هي الأخرى بسبب بكائه، ولم تكن تعرف ماذا تفعل.

لم تكن زوجة فرعون هي وحدها الحزينة الباكية.. كانت أم موسى هي الأخرى حزينة باكية.. لم تكد ترمي موسى في النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها في النيل. غاب الصندوق في مياه النيل واختفت أخباره.. وجاء الصباح على أم موسى فإذا قلبها فارغ يذوب حزنا على ابنها، وكادت تذهب إلى قصر فرعون لتبلغهم نبأ ابنها وليكن ما يكون.. لولا أن الله تعالى ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها فهدأت واستكانت وتركت أمر ابنها لله.. كل ما في الأمر أنها قالت لأخته: اذهبي بهدوء إلى جوار قصر فرعون وحاولي أن تعرفي ماذا حدث لموسى.. وإياك أن يشعروا بك..

وذهبت أخت موسى بهدوء ورفق فإذا بها تسمع القصة الكاملة.. رأت موسى من بعيد وسمعت بكاءه، ورأتهم حائرين لا يعرفون كيف يرضعونه، سمعت أنه يرفض كل المراضع.. وقالت أخت موسى لحرس فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويكفلونه ويهتمون بأمره ويخدمونه؟

قالت زوجة فرعون: لو أحضرت لنا مرضعة يقبل الرضاعة منها فسوف أمنحك جائزة عظيمة. أي شيء ستطلبينه ستحصلين عليه..

وعادت أخت موسى وأحضرت أمه.. وأرضعته أمه فرضع.. وتهللت زوجة فرعون وقالت: "خذيه حتى تنتهي فترة رضاعته وأعيديه إلينا بعدها، وسنعطيك أجرا عظيما على تربيتك له". وهكذا رد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق وأن كلماته سبحانه تنفذ رغم أي شيء.. ورغم كل شيء..

قال تعالى في سورة القصص:

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

أتمت أم موسى رضاعته وأسلمته لبيت فرعون.. كان موضع حب الجميع.. قال تعالى في سورة طه:

وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي

كان أحد لا يراه إلا أحبه.. وها هو ذا في أعظم قصور الدنيا يتربى بحفظ الله وعنايته.. بدأت تربية موسى في بيت فرعون.. وكان هذا البيت يضم اعظم المربين والمدرسين في ذلك الوقت.. كانت مصر أيامها أعظم دولة في الأرض.. وكان فرعون أقوى ملك في الأرض، ومن الطبيعي أن يضم قصره أعظم المدربين والمثقفين والمربين في الأرض.. وهكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يتربى موسى اعظم تربية وأن يتعهده أعظم المدرسين، وان يتم هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد تنفيذا لمشيئة الخالق..

وكبر موسى في بيت فرعون.. تعلم الحساب والهندسة والفلك والكيمياء والطبيعة واللغات.. كان ينام في حصة الدين، لهذا لم يكن يسمع الكلام الفارغ الذي يقوله المدرس عن ألوهية فرعون، وفي المرات القليلة التي سمع فيها أن فرعون إله، كان يسخر في نفسه من هذا الكلام، فهو يعيش مع فرعون في بيت واحد ويعرف أكثر من غيره أن فرعون مجرد إنسان ولكنه ظالم.

كان موسى يعلم أنه ليس ابنا لفرعون، إنما هو واحد من بني إسرائيل.. وكان يرى كيف يضطهد رجال فرعون واتباعه بني إسرائيل.. وكبر موسى وبلغ أشده..(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) وراح يتمشى فيها.

وجد موسى رجلا من اتباع فرعون وهو يقتتل مع رجل من بني إسرائيل، واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله.. كان موسى قويا إلى الحد الذي يكفي فيه أن يضرب بيده ضربة واحدة ليزيح خصمه فإذا هو يقتله.. ولم يكن موسى يقصد قتل الرجل الآخر.. وفوجئ به وقد مات.. قال موسى لنفسه: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)..

ودعا موسى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي). وغفر الله تعالى له، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)..

قال تعالى في سورة القصص:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

أصبح موسى (فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) .. تعبير مصور لهيئة معروفة.. هيئة إنسان مطارد يتوقع الشر في كل خطوة، ويلتفت لأوهى الحركات وأخفاها.. ويبدو أن موسى كان نموذجا لمزاج عصبي مندفع. إن موسى يندفع لنجدة الإسرائيلي، يده تندفع بوكزة هدفها إبعاد المصري وتنحيته.. فإذا هو يقتله..

يعتبر هذا القتل في القوانين الوضعية أنه قتل خطأ.. لا يقصده من فعله ولا تنعقد عليه نيته، وبالتالي لا يكون الجزاء فيه عسيرا.. إنما ينظر القضاء بالتخفيف إلى الواقعة باعتبارها قتلا خطأ.. لا يمكن اعتبار الواقعة بالتكييف القانوني ضربا أفضى إلى الموت. لأن الضرب لم يكن مقصودا هو الآخر.. لم يكن موسى يضرب الرجل، كل ما فعله أنه وكزه (بمعنى دفعه بيده أو أزاحه بيده). ولسوف نلاحظ أن موسى يكاد يكون هو الوجه الآخر لإبراهيم.

كلاهما من أولي العزم الكبار. غير أن إبراهيم نموذج للحلم والرقة، وموسى نموذج للاندفاع والقوة.. هو تكوين نفسي خلقه الله تعالى عليه..

أصبح موسى (فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) .. وعد بالأمس أنه لن يكون ظهيرا للمجرمين.. لن يتدخل في المشاجرات بين المجرمين والمشاغبين ليدفع عن أحد من شيعته.

وفوجئ موسى أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقذه موسى بالأمس وهو يناديه ويستصرخه اليوم.. كان الرجل مشتبكا في عراك مع أحد المصريين.. وأدرك موسى بأن هذا الإسرائيلي مشاغب.. أدرك أنه من هواة المشاجرات.. وصرخ موسى في الإسرائيلي يعنفه قائلا: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ).

قال موسى كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري.. واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو.. دفعه الخوف من موسى إلى استرحامه صارخا.

لم تكد كلمات الإسرائيلي تقع من فمه أمام موسى حتى توقف موسى. سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس، وكيف استغفر وتاب ووعد ألا يكون ظهيرا للمجرمين.. استدار موسى عائدا ومضى وهو يستغفر ربه..

وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته أمس.. وكانت سلطات الشرطة المصرية قد فشلت في معرفة قاتله.. وطار المصري عدوا إلى رجال الأمن.. وانكشف سر موسى.. ظهر أمره.. وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا.. همس في إذن موسى أن هناك اتجاها لقتله.. نصحه أن يخرج من مصر على عجل..

قال تعالى:

فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ

يخفي الله عنا اسم الرجل الذي جاء يحذر موسى.. ونرجح أنه كان رجلا مصريا (من ذوي الأهمية) بنص الآيات، فقد اطلع على مؤامرة تحاك لموسى من مستويات عليا، ولو كان شخصية عادية لما عرف.. يعرف الرجل أن موسى لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس.. لقد قتل الرجل خطأ.. والجريمة في القانون المصري القديم عقوبتها السجن.. ما الذي أبرز فكرة قتل موسى إذن؟ إن هناك عبارة في نصيحة المصري لموسى تضع يدنا على الجواب..

هذه العبارة هي قوله: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ)..

الملأ هم الرؤساء المسئولون عن الأمن.. وهم يعدون له مؤامرة.. إن الجريمة عادية، لا تقتضي غير عرض الأمر على القضاء والحكم بالسجن فيها. ما الذي أدخل الملأ هنا؟ وجعلهم طرفا شخصيا في النزاع، ودفعهم للتآمر على قتله؟ نحسب أن مدير الشرطة المصري لم يكن يحب موسى. كان يعلم أنه من بني إسرائيل. وكان يرى في وصول الصندوق إلى قصر فرعون مكيدة دبرها له أعداؤه الطامعون في منصبه.. كيف أفلت منه أحد أبناء إسرائيل في العام الذي لا ينبغي أن يفلت فيه أحد؟!

هذا يعني تراخيه وتراخي رجاله.. وكم نصح الرجل بقتل موسى، وكان الفرعون يحبذ الفكرة فإذا حان التنفيذ تقهقر أمام حب زوجته لموسى وحنوها عليه وتعلقها به.. أخيرا جاءت الفرصة.. قال له أحد رجاله إن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته بالأمس.. انتهى الأمر وجاءته الفرصة لقتل موسى.. من يدافع الآن عنه؟ لقد جاء بموسى في جناية قتل عمد.. استخف الفرح كل من كانوا يكرهون موسى من رجال القصر.. وتقرر قتله.. ثم أرسل الله لموسى مصريا عاقلا يحذره وينصحه بالفرار من وجه الظالمين.

قال تعالى:

فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

صورة أخرى لموسى وهو مطارد.. خرج على الفور.. خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب.. في قلبه دعاء لله..(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .. وكان القوم ظالمين حقا.. ألا يريدون تطبيق عقوبة القتل العمد عليه، وهو لم يفعل شيئا أكثر من أنه مد يده وأزاح رجلا فقتله خطأ؟

خرج موسى من مصر على عجل.. لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته.. لم يكن معه من دواب الأرض دابة تحمله على ظهرها وتوصله.. ولم يكن في قافلة.. إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج. أختار طريقا غير مطروق وسلكه.. دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت له العناية الإلهية أن يتجه.. لم يكن موسى يسير قاصدا مكانا معينا.. هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده..

ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان.. كان هذا المكان هو مدين.. جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم..

لم يكن له طعام سوى ورق الشجر، وكان يشرب من الآبار التي يجدها في الطريق.. وكان خائفا طوال الوقت أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه.

لم يكد موسى يصل إلى مدين حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح. نال منه الجوع والتعب، وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير على الرمال والصخور والتراب.. لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة.. ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب. لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم، وتذكر أنه جائع وعطش، قال لنفسه: املأ بطني من الماء ما دمت لا أملك ثمن الطعام.. سار موسى إلى مكان الماء.. قبل أن يصل وجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم، أحس موسى بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة.. نسي عطشه وتقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما في شيء.. قالت الفتاة الكبرى: نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم لنسقي.
سأل موسى: ولماذا لا تسقيان؟
قالت الصغرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم.. المفروض أن يرعى الرجال الأغنام. هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة.
سأل موسى: لماذا ترعيان الغنم..؟
قالت الصغرى: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج كل يوم للرعي.
قال موسى: سأسقي لكما.

سار موسى نحو الماء.. اكتشف أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر صخرة ضخمة لا يستطيع أن يحركها غير عشرة رجال. احتضن موسى الصخرة ورفعها من فم البئر.. نفرت عروق رقبته ويديه وهو يرفع الصخرة.. كان موسى قويا.. سقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها، وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة.

وتذكر لحظتها أنه نسي أن يشرب.. وكان بطنه ملتصقا بظهره من الجوع. تذكر الله وناداه في قلبه:

رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

قال تعالى:

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

ندع موسى جالسا تحت ظل الشجرة.. لنرى ماذا كان من أمر الفتاتين اللتين سقى لهما.

عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ. سأل الأب: عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
قالت الكبرى: كان حظنا اليوم عظيما يا أبي.. تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم قبل أن يسقي الرعاة.
قال الأب: الحمد لله.
قالت البنت الصغرى: أعتقد يا أبي أنه قادم من سفر بعيد.. وجائع! رأيت وجهه مجهدا رغم قوته.
قال الأب لابنته: اذهبي إليه وقولي له: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) ليعطيك (أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا). وطارت البنت تجري لموسى وقلبها يخفق.

وقفت أمام موسى وأبلغته رسالة أبيها، ونهض موسى وبصره في الأرض. إنه لم يسق لهما الغنم وهو ينتظر منهما أجرا، وإنما ساعدهما لوجه الله، غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي يوجه قدميه فنهض.. سارت البنت أمامه.. هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره حياء وقال لها: سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.

وصلا إلى الشيخ. قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب. عمر طويلا بعد موت قومه. وقيل إنه ابن أخي شعيب. وقيل ابن عمه، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به.

لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.

قدم له الشيخ طعام الغداء وسأله: من أين هو قادم والى أين هو ذاهب؟ حدثه موسى عن قصته. قال الشيخ: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) . هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا. اطمأن موسى ونهض لينصرف.

قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)
سألها الأب: كيف عرفت أنه قوي؟
قالت: رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عشرة رجال.
سألها: وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت: رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي.. وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه في الأرض حياء وأدبا.

وعاد الشيخ لموسى وقال له: أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، لا أريد أن أتعبك، (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

قال موسى: هذا اتفاق بيني وبينك.. والله شاهد على اتفاقنا.. سواء قضيت الثماني السنوات، أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب..

قال تعالى في سورة القصص:

فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ

تنصرف كثير من الأقلام حين تجيء إلى هذا الموضع، إلى أسئلة لا تنم إلا عن الفضول. يتساءلون: أي ابنتي الشيخ تزوج موسى: أهي الكبرى أم الصغرى؟ وأي الأجلين قضى موسى عشر سنوات أم ثماني سنوات؟ وهم يضربون في تيه من الأقاصيص والروايات، والثابت أن موسى تزوج إحدى ابنتي الشيخ. لا نعرف من كانت، ولا ماذا كان اسمها. نعتقد أنه تزوج التي ذهبت إليه تدعوه لأبيها، ثم حثت أباها على استئجاره بعد ذلك. يكشف السياق القرآني عن لون من ألوان الإعجاب الراقي الذي يجيش بنفسها تجاهه..

ولعل الشيخ أدرك بحكمته أن ابنته قد اختارت بقلبها وانتهى الأمر، ولعله حين حدث موسى عن تزويجه ترك له حرية الاختيار حياء، ولعل موسى اختار من اختارته، ولعل هذا تم بنفس اندفاع موسى وسرعته. أما من كانت هذه البنت: أكانت الكبرى أم الصغرى. فهذه مسألة سكت عنها السياق القرآني، وإن كان قد أشار إليها إشارة موحية معجزة بقوله:

فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء

أيضا يسكت السياق القرآني عن الأجل الذي قضاه موسى، هل قضى السنوات العشر أم اقتصر على ثماني سنوات؟ وان كنا نعتقد.. استنادا إلى طبيعة موسى وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم.. أنه قضى الأجل الأكبر. وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهكذا عاش موسى يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة.

وكان عمل موسى ينحصر في الخروج مع الفجر كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها..

ونحسب أن فترة السنوات العشر التي قضاها موسى في مدين كانت تدبيرا إلهيا من الله له..

إن موسى على دين يعقوب.. أبوه البعيد هو يعقوب.

ويعقوب هو حفيد إبراهيم.. وموسى إذن هو من أحفاد إبراهيم.. وكل نبي بعد إبراهيم جاء من صلبه.

نفهم من هنا أن موسى كان على دين آبائه وأجداده.. كان على الإسلام والتوحيد.

وها هو ذا الوقت يجيء عليه فيعتزل عشر سنوات بعيدا عن أهله وقومه.. وفترة السنوات العشر هذه كانت فترة مهمة في حياته.. كانت فترة من فترات التأهيل الكبرى.

قطعا كان ذهن موسى يدور مع النجوم كل ليلة.. وكان يتبع شروق الشمس وغروبها كل نهار.. وكان يتأمل النبات كيف يشق التربة ويظهر، وينظر للماء كيف يحي الأرض بعد موتها فتزدهر.. قطعا كان يسبح بذهنه في كتاب الله المفتوح للأبصار والأفئدة.. كان يسبح بذهنه في كون الله، وتدركه الدهشة ويتركه العجب.. غير أن هذا كله ظل كامنا في نفسه مستقرا بها.. لقد تربى موسى في قصر الفرعون المصري.

هذا معناه أنه كان مصريا بثقافته، مصريا بطعامه وشرابه، مصريا بجسده وقوته. هذا الوعاء المصري بالميلاد والتربية.. كان يهيأ ليتلقى وحيا إلهيا من لون جديد.. وحيا إلهيا مباشرا يجيء بغير رسول من الملائكة.. إنما يكلمه الله تكليما بغير واسطة.. لا بد إذن من فترة إعداد عقلي ونفسي.. انتهت فترة الإعداد الجسماني في مصر، وتربى موسى في قصر أعظم ملوك الأرض، في دولة هي أغنى دولة في الأرض. وشب عملاقا قويا يكفي أن يمد يده ليزيح أحدا حتى يقتله. بقي إذن أن يضاف إلى الإعداد البدني إعداد روحي مماثل.. إعداد يتم في عزلة تامة، وسط صحراء ومراع لا يعرفها موسى قبل ذلك.. وسط أناس غرباء لم يرهم من قبل.. وذلك ما وقع. كان الصمت طريقه.. وكانت العزلة مركبه.. وكان الله يستكمل لنبيه وكليمه أدواته ليتحمل موسى بعد ذلك أمانة الأمر بالحق.

جاء على موسى يوم.. انتهت الفترة المحددة.. واستيقظ في قلب موسى حنين غامض إلى مصر.. يريد أن يعود إلى مصر.. لقد سقطت عقوبته بمضي المدة.. يعلم ذلك.. لكنه يعلم أيضا أن القانون المصري رهن إشارة الحاكم، إن شاء إدخاله في العقوبة فعل، ولو لم يكن مستوجبا لها، وان شاء العفو عنه رغم استحقاقه للعقوبة فعل.. كان موسى يعلم ذلك، ولم يكن واثقا من نجاته في مصر مثل ثقته من نجاته هنا..

رغم ذلك، حركته الأقدار العليا وزينت له الرحيل.. كان موسى سريعا وحاسما في اتخاذ القرارات..

قال لزوجته: غدا نبدأ سفرنا إلى مصر..
قالت زوجته لنفسها: في الرحيل ألف خطر لم يسفر عن وجهه بعد.. غير أنها أطاعت.

لم يكن موسى نفسه يعرف السر في قراره السريع المفاجئ بالعودة إلى مصر.. منذ عشر سنوات خرج هاربا.. رأسه مطلوب في مصر.. فلماذا يعود إليها اليوم.. هل اشتاق إلى أمه وأخيه؟ هل فكر في زيارة زوجة الفرعون التي ربته كأم وأحبته كأم؟ لا أحد يعرف ماذا دار في نفس موسى وهو عائد إلى مصر.. كل ما نعرفه أن طاعة صامتة لأقدار الله دفعته لاتخاذ القرار فاتخذه. وها هي ذي الأقدار العليا توجه خطواته لأمر شديد الأهمية عظيم الخطر.

خرج موسى مع أهله وسار.. اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف وساد الظلام. اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام.. وتاه موسى أثناء سيره.. التقط قطعتين من الصخر وراح يضرب إحداهما بالأخرى ليشعل نارا يرى في ضوئها أين يسير، ولكنه لم يستطع.. كانت الرياح القوية تطفئ الشرارة الضعيفة..ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهدها عن بعد.

شاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد.. امتلأ قلبه بالفرح فجأة.. قال لأهله: أني رأيت نارا هناك.. أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.

ونظر أهله إلى النار التي يشير إليها موسى فلم يروا شيئا.. أطاعوه وجلسوا ينتظرونه.. وتحرك موسى نحو النار.. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه.. يده اليمنى تمسك عصاه.. جسده مبلل من المطر.. ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى.. لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي. لم يكن هناك برد ولا رياح.. ثمة صمت عظيم ساكن.. واقترب موسى من النار.. لم يكد يقترب منها حتى نودي:

أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

توقف موسى فجأة.. وارتعش.. كان الصوت يجيء من كل مكان ولا يجئ من مكان محدد.. نظر موسى في النار وعاد يرتعش.. وجد شجرة خضراء من الشوك وكلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة.. المفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق.. لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد.. راح موسى يرتجف رغم الدفء والعرق.. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى.. ووضع موسى يديه على عينيه من شدة النور مهابة وخوفا على بصره..
وتساءل في نفسه.. نار أم نور؟!

ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا مُوسَى
رفع موسى رأسه وقال: نعم.
قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ
ازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب.
قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.
عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى
زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.. قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى

ازدادت دهشة موسى.. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه.. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه..؟ لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك.

أجاب موسى وصوته يرتعش: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى

رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته.. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم الحجم هائل الجسم.. وراح الثعبان يتحرك بسرعة.. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه.. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف.. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري.. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله!

(يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ )
(أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)

عاد موسى يستدير ويقف.. لم تزل العصا تتحرك.. لم تزل الحية تتحرك..

قال الله سبحانه وتعالى لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى

مد موسى يده للحية وهو يرتعش.. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا.. عاد الأمر الإلهي يصدر له: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ

وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر.. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..

اطمأن موسى وسكت.. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين –معجزة العصا ومعجزة اليد- أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر.. وأبدى موسى خوفه من فرعون. قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه.. توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون.. طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء. أفهم الله موسى أنه هو الغالب.. ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه..

قال تعالى في سورة طه:

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي

لا نعرف ماذا نقول تعليقا على قول الله تعالى لعبد من عباده..

يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي

اختار الله موسى واصطنعه لنفسه.. سبحانه.. وتلك قمة من قمم التشريف لا نعرف أحدا بلغها في ذلك الزمان البعيد غير موسى عليه الصلاة والسلام.. قفل موسى راجعا لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا إلى فرعون.. انحدر موسى بأهله قاصدا مصر.

يعلم الله وحده أي أفكار عبرت ذهن موسى وهو يحث خطاه قاصدا مصر. انتهى زمان التأمل، وانطوت أيام الراحة، وجاءت الأوقات الصعبة أخيرا، وها هو ذا موسى يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم. يعلم موسى أن فرعون مصر طاغية. يعلم أنه لن يسلمه بني إسرائيل بغير صراع. يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل.. لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون.. أن يدعوه بلين ورفق إلى الله. أوحى الله لموسى أن فرعون لن يؤمن. ليدعه موسى وشأنه.. وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل والكف عن تعذيبهم. قال تعالى لموسى وهارون:

فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ

هذه هي المهمة المحددة. وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات. إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به، ويستحيي نسائهم، ويذبح أبنائهم، ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر.
يعلم موسى أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم وجهدهم وطاقاتهم في الدولة، فهل يفرط الفرعون في بناء الدولة الأساسي ببساطة ويسر؟ ذهبت الأفكار وجاءت، فاختصرت مشقة الطريق.. ورفع الستار عن مشهد المواجهة

الجزء الاول ، الجزء الثاني ، الجزء الثالث


الصفحة الرئيسية ] الى الاعلى ] موسى وهارون عليهما السلام ] موسى وهارون عليهما السلام ] [ موسى وهارون عليهما السلام ]  

This page was done by E.Youusef Albaba